فصل: نهوض أبي تاشفين بعساكر بني مرين ومقتل السلطان أبي حمو.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.خروج السلطان أبي حمو من الاعتقال ثم القبض عليه وتغريبه إلى المشرق.

لما طال مقام أبي تاشفين على تيطري لحصار إخوته ارتاب بأمر أبيه وطول مغيبه عنه فشاور أصابه في شأنه فأشاروا بقتله واتفقوا على ذلك فبعث أبو تاشفين ابنه أبا زيان لمة من حاشيته فيهم ابن الوزير عمران بن موسى وعبد الله ابن الخراساني فقتلوا من كان معتقلا بتلمسان من أبناء السلطان وتقدموا إلى وهران وسمع أبو حمو بقدومهم فأوجس إلى الخيفة منهم واطلع من جدران القصبة ينادي بالصريخ في أهل البلد فتبادروا إليه من كل جهة وتدلى لهم بحبل وصله من عمامته كان متعمما بها فشالوه حتى استقر بالأرض واجتمعوا إليه وكان الرهط الذين جاؤوا والقتلة بباب القصر وقد أغلقه دونهم فلما سمعوا الهيعة واستيقنوا الأمر طلبوا النجاة بدمائهم واجتمع أهل البلد على السلطان وتولى كبر ذلك خطيبهم وجددوا له البيعة وارتحل من حينه إلى تلمسان فدخلها أوائل تسع وثمانين وسبعمائة وهي يومئذ عورة بما كان بنو مرين هدموا من أسوارها وأزالوا حصنها وبعث فيمن كان مخلفا بأحياء بني عامر من أكابرهم ووجوههم فقدموا عليه وطار الخبر إلى أبي تاشفين بمكانه من حصار تيطرى فانكفأ راجعا إلى تلمسان فيمن معه من العساكر والعرب وبادره قبل أن يستكمل أمره فأحيط به ونجا إلى مأذنة الجامع فاعتصم بها ودخل أبو تاشفين القصر وبعث فى طلبه وأخبر بمكانه فجاء إليه بنفسه واستنزله من المأذنة وأدركته الرقة فجهش بالبكاء وقبل يده وغدا به إلى القصر واعتقله ببعض الحجر هنالك ورغب الله أبوه في تسريحه إلى المشرق لقضاء فرضه فشارط بعض تجار النصارى المترددبن إلى تلمسان من القيطلان على حمله إلى الإسكندرية وأركبه السفن معهم بأهله من فرضة وهران ذاهبا لطيبة موكلا به وأقبل أبو تاشفين على القيام بدولته والله تعالى أعلم.

.نزول السلطان أبي حمو ببجاية من السفين واستيلاؤه على تلمسان ولحاق أبي تاشفين بالمغرب.

لما ركب السلطان أبو حمو السفين ذاهبا إلى الإسكندرية وفارق أعمال تلمسان وحاذى بجاية داخل صاحب السفينة في أن ينزله ببجاية فأسعفه بذلك فخرج من الطارمة التي كان بها معتقلا وصار الموكلون به في طاعته وبعث إلى محمد بن أبي مهدي قائم الأسطول ببجاية المستبد على أميرها من ولد السلطان أبي العباس بن أبي حفص وكان محمد خالصة المستنصر بن أبي حمو من ناحية دولهتم قد خلص إلى بجاية من تيطري بعدما تنفس لحصار عنهم فبعثه ابن أبي مهدي إلى السلطان أبي حمو بالإجابة إلى ما سأل وأنزله ببجاية آخر تسع وثمانين وسبعمائة وأسكنه بستان الملك المسمى بالرفيع وطير بالخبر إلى السلطان بتونس فشكر له ما آتاه من ذلك وأمره بالاستبلاغ في تكريمه وأن يخرج عساكر بجاية في خدمته إلى حدود عمله متى احتاج إليها ثم خرج السلطان أبو حمو من بجاية ونزل متيجة واستنفر طوائف العرب من كل ناحية فاجتمعوا إليه ونهض يريد تلمسان واعصوصب بنو عبد الواد على أبي تاشفين بما بذل فيهم من العطاء وقسم من الأموال فنابذوا السلطان أبا حمو واستصعب عليه أمرهم وخرج إلى الصحراء وخلف ابنه أبا زيان في جبال شلف مقيما لدعوته وبلغ إلى تاسة من ناحية المغرب وبلغ الخبر إلى أبي تاشفين فبعث عسكرا إلى شلف مع ابنه أبي زيان وو زيره محمد بن عبد الله ابن مسلم فتواقفوا مع أبي زيان ابن السلطان أبي حمو فهزمهم وقتل أبو زيان بن أبي تاشفين وو زيره ابن مسلم وجماعة من بني عبد الواد وكان أبو تاشفين لما بلغه وصول أبيه إلى تاسة سار إليه من تلمسان في جموعه فأجفل أبو حمو إلى وادي صا واستجاش بالأحلاف من عرب المعقل هنالك فجاؤا لنصره ورعوا زمامه فنزلها وأقام أبو تاشفين قبالته وبلغه هنالك هزيمة ابنه ومقتله فولى منهزما إلى تلمسان وأبو حمو في اتباعه ثم سرح أبو تاشفين مولاه سعادة في طائفة من العسكر لمحاولة العرب في التخلي عن أبي حمو فانتهز فيه الفرصة وهزمه وقبض عليه وبلغ الخبر إلى أبي تاشفين بتلمسان وكان يؤمل النجاح عند سعادة فيما توجه فيه فأخفق سعيه وانفض عنه بنو عبد الواد والعرب الذين معه وخرج هاربا من تلمسان مع أوليائه من سويد إلى مشاتيهم بالصحراء ودخل السلطان أبو حمو تلمسان في رجب سنة تسعين وسبعمائة وقدم عليه أبناؤه فأقاموا معه بتلمسان فطرق المنتصر ابنه المرض فهلك بها لأيام من دخوله تلمسان واستقر الأمر على ذلك والله أعلم.

.نهوض أبي تاشفين بعساكر بني مرين ومقتل السلطان أبي حمو.

لما خرج أبو تاشفين من تلمسان أمام أبيه واتصل بأحياء سويد أجمعوا رأيهم على الاستنجاد بصاحب المغرب فوفد أبو تاشفين ومعه محمد بن عريف شيخ سويد على السلطان أبي العباس صاحب فاس وسلطان بني مرين صريخين على شأنهما فقبل وفادتهما ووعدهما بالنصر من عدوهما وأقام أبو تاشفين عنده ينتظر إنجاز وعده وكان بين أبي حمو وابن الأحمر صاحب الأندلس وشيجة ود وعقيدة وصلة ولا بن الأحمر دالة وتحكم في دولة أبي العباس صاحب المغرب بما سلف من مظاهرته على أمره منذ أول دولته فبعث أبو حمو في الدفاع عنه من إجازة أبي تاشفين من المغرب إليه فلم يجبه صاحب المغرب وفاء بذمته وعلله بالقعود عن نصره وألح عليه ابن الأحمر في ذلك فتعلل بالمعاذير وكان أبو تاشفين قد عقد لأول قدومه مع وزير الدولة محمد بن يوسف بن علال حلفا اعتقد الوفاء به فكان هواه فى إنجاده ونصره من عدوه فلم يزل يفتل لسلطانه في الذروة والغارب ويلوي عن ابن الأحمر المواعيد حتى أجابه السلطان إلى غرضه وسرح ابنه الأمير أبا فارس والوزير محمد بن يوسف بن علال في العساكر لمصارخة أبي تاشفين وفصلوا عن فاس أواخر إحدى وتسعين وسبعمائة وانتهوا إلى تازى وبلغ خبرهم إلى السلطان أبي حمو فخرج من تلمسان وجمع أشياعه من بني عامر والخراج بن عبيد الله وقطع جبل بني ورنيد المطل على تلمسان وأقام بالغيران من جهاته وبلغ الخبر إلى أبي تاشفين فقدم إلى تلمسان فجدد المكر والخديعة وشيطان الفتنة والشر موسى بن يخلف فاستولى عليها وأقام دعوة أبي تاشفين فيها فطير الخبر إلى أبي حمو ابنه عمير فصبحه بها لليلة من مسيرة فأسلمه أهل البلد وتقبض عليه وجاء به أسيرا إلى أبيه بمكانه من الغيران فوبخه أبو حمو على فعاله ثم أذاقه أليم عقابه ونكاله وأمر به فقتل أشنع قتلة وجاءت العيون إلى أبي فارس ابن صاحب المغرب ووزيره ابن علال بمكان أبي حمو واغرابه بالغيران فنهض الوزير ابن علال في عساكر بني مرين لغزوه وسار أمامهم سليمان بن ناجي من الأحلاف إحدى بطون المعقل يدل بهم طريق القفر حتى صبحوه ومن معه من أحياء الخراج في مكان مقامتهم بالغيران وناوشوهم القتال فلم يطيقوهم لكثرتهم وولوا منهزمين وكبا بالسلطان أبي حمو فرسه فسقط وأدركه بعض فرسانهم وعرفه فقتله قعصا بالرماح وجاؤا برأسه إلى الوزير ابن علال وأبي تاشفين وجيء بابنه عمير أسيرا وهم أبو تاشفين أخوه بقتله فمنعوه أياما ثم أمكنوه منه فقتله ودخل أبو تاشفين تلمسان أواخر إحدى وتسعين وسبعمائة وخيم الوزير وعساكر بني مرين بظاهر البلد حتى دفع إليهم ما شارطهم عليه من المال ثم قفلوا إلى المغرب وأقام هو بتلمسان يقيم دعوة السلطان أبي العباس صاحب المغرب ويخطب له على منابره ويبعث الله بالضريبة كل سنة كما اشترط على نفسه إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى.